Description

الصفة إنّ الصُفّة في اللغة هي: الظلّة والبهو الواسع عالي السقف،[١] وبعد تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة المشرّفة وكان ذلك بعد ستة عشر شهرًا من الهجرة النبوية، بقي حائط القبلة الأولى في آوخر المسجد النبوي، فأمر به رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فظلّل وسقف ولكنّه بقي مكشوفًا من جوانبه وأصبح يأوي إليه الفقراء والمساكين من المسلمين، وقد عرّف القاضي عياض الصُفّة بأنّها: ظلّة في مؤخرة مسجد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وإليها يأوي المساكين وقد نسبوا إليها فأصبح يُطلق عليهم لقب أهل الصُفّة، أمّا ابن حجر فقد عرّف الصُفّة بأنّها: مكان في مؤخرالمسجد النبوي مُظلّل أُعدّ لنزول الغرباء فيه ممّن لا مأوى له ولا أهل، وفي هذا المقال سيتم بيان من هم أهل الصُفّة وما هي طبيعة حياتهم وبيان بعض من صفاتهم.[٢] من هم أهل الصفة إنّ مصطلح أهل الصُفّة لا يدلّ على أشخاصٍ بأعيانهم وإنّما يدلّ على من سكن الصُفّة وأقام فيها، وكان معظم هؤلاء من مهاجري قريش حيث إنّ الرسول الكريم لم يواخِ بين جميع المهاجرين والأنصار وبقي عدد من المهاجرين بدون مأوى فكانوا يقيمون في الصُفّة، فعن طلحة بن عمرو النضري -رضي الله عنه- قال: “كان الرَّجُلُ إذا قدِم المدينةَ فكان له بها – يعني – عَريفٌ نزَل على عَريفِه فإنْ لم يكُنْ له بها عَريفٌ نزَل الصُّفَّةَ قال : فكُنْتُ فيمَنْ نزَل الصُّفَّةَ”،[٣] ومن الأدلّة على أنّ المهاجرين هم أوّل من أقام بالصُفّة حتى نُسبت إليهم فصار يُقال صُفّة المهاجرين قوله تعالى في سورة البقرة: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}،[٤] وقد قال ابن عبّاس أنّ الفقراء المقصودين في هذه الآية هم أصحاب الصُفّة.[٥] ولكنّ الوضع قد تغيّر وأصبحت الصُفّة فيما بعد مكانًا يأوي إليه المسلمين الجدد القادمين على شكل وفود إلى المدينة المنورة معلنين إسلامهم وراغبين بالقرب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما أنّ حياة الزهد التي كان يحياها أهل الصُفّة رغبت مجموعة من الأنصار بالانضمام إليهم والعيش بينهم على الرغم من أنّهم كانت لديهم بيوتهم في المدينة، ومنهم البراء بن مالك وأبي سعيد الخدري، والدليل على أنّ أهل الصًفّة كانوا خليطًا من قبائل متفرّقة تسمية الرسول لهم في أحد الأحاديث بالأوفاض، والأوفاض هم: الفِرق من الناس والأخلاط من قبائل شتّى، وفيما يأتي بيان لأسماء أهل الصفة وبعضٍ من صفاتهم بالإضافة إلى الحديث عن رعاية النبي والصحابة لهم:[٥] أسماء أهل الصفة قال الإمام السخاوي في كتابه المسمّى “الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية”، بأنّه سُئل عن أسماء أهل الصُفّة فأجاب بأنّ أبا نُعيم قد ذكر أسماءهم في كتابه المُسمّى “حلية الأولياء” حيث نقل عن غيره ونبّه على من حصل غلط في ذكره مع أهل الصُفّة، وقام السخاوي بإيراد مجموعة من أسماء أهل الصُفّة مرتبّة على حروف الهجاء، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض أسماء أهل الصُفّة رضي الله عنهم وأرضاهم:[٦] البراء بن مالك الأنصاري أخو أنس بن مالك. بلال بن رباح الحبشي المؤذن. أبو ذر الغفاري. حذيفة بن اليمان. حنظلة بن أبي عامر الراهب الأنصاري. خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري. خبّاب بن الأرت. زيد بن الخطّاب أبو عبد الرحمن. سعد بن مالك أبو سعيد الخدري. سعد بن أبي وقّاص. سلمان الفارسي. شقران مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. صهيب بن سنان. عامر بن عبد الله أبو عبيدة بن الجرّاح. عبد الله بن أم مكتوم. عبد الله بن عمر بن الخطّاب. عبد الله بن مسعود. عثمان بن مظعون. العرباض بن سارية. عكاشة بن محصن. عمار بن ياسر. عويمر بن ساعدة أبو الدرداء. مسطح بن أثاثة أبو عباد. مصعب بن عمير. أبو هريرة الدوسي. أهم صفات أهل الصفة أهل الصُفّة هم أصحاب رسول الله وصفاتهم من أفضل الصفات وأكملها وكان ممّا يميزهم انقطاعهم للعلم والعبادة والجهاد، حيث كانوا يعتكفون في المسجد حتى ألفو حياة الزهد والعبادة وكانوا يُكثرون من الصلاة ويكبّون على قراءة القرآن الكريم ومدارسته، كما تعلّم بعضهم الكتابة، وقد اشتهر بعضهم بالعلم وحفظ الحديث مثل أبو هريرة -رضي الله عنه- أكثر صحابة رسول الله روايةً للحديث، كما اهتم حذيفة بن اليمان بأحاديث الفتن فكان مرجعًا للصحابة فيما بعد في هذا المجال، ولكنّ اعتكافهم وعبادتهم وإقبالهم على العلم لم يمنعهم من المشاركة في الجهاد فهم لم يكونوا بمنأى عن متغيرات المجتمع الإسلامي آنذاك، فقد كانوا يحاربون الكفّار مع رسول الله وقد استشهد بعضهم في غزوة بدر وأُحد وخيبر وتبوك واليمامة، وبهذا يكون أهل الصُفّة قد وضعوا مثالًا رائعًا على المسلم العابد الزاهد المجاهد في سبيل الله.[٧] أمّا عن حياتهم اليومة فقد كانت تتسم بالخشونة فعن ملابسهم يقول أبو هريرة: “لقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِن أصْحَابِ الصُّفَّةِ ما منهمْ رَجُلٌ عليه رِدَاءٌ، إمَّا إزَارٌ وإمَّا كِسَاءٌ، قدْ رَبَطُوا في أعْنَاقِهِمْ، فَمنها ما يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، ومنها ما يَبْلُغُ الكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بيَدِهِ، كَرَاهيةَ أنْ تُرَى عَوْرَتُهُ”،[٨] وكذلك الأمر بالنسبة للطعام فقد كان رسول الله حريصًا على إطعام أهل الصُفّة حتى إنّه كثيرًا ما دعاهم لتناول الطعام في إحدى حجرات أمهات المؤمنين ولكنّ طبيعة المرحلة آنذاك كانت تفرض أوضاعًا اقتصادية صعبة حيث كان جلّ طعام أهل الصُفّة من التمر فاشتكوا إلى رسول الله ذلك ولكنّ النبي لم يستطع أن يوفّر لهم غير التمر فقد كان يُعطي لكلّ رجلين منهم مدًّا من التمر فصبّرهم وواساهم، كما أنّ الصحابة كانوا يتعاهدون أهل الصُفّة بالطعام متى ما سمحت الظروف بذلك ولكنّ السمة العامّة لطعام أهل الصُفة القلّة واقتصاره على نوعٍ واحد.[٧] رعاية النبي والصحابة لأهل الصفة رعى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أهل الصُفّة واهتمّ بهم، حيث كان كثيرًا ما يجلس معهم ويرشدهم إلى الزهد وإلى قراءة القرآن ومدارسته كما كان يزورهم ويتفقد أحوالهم ويعود مرضاهم، وإذا جاءته صدقة أخذها لهم أمّا إذا وصلته هدية فيشركهم بها، ورغّب الصحابة بالإنفاق والتصدّق عليهم، فكان المسلمين يأتون بالتمر من بساتينهم ويضعونه في المسجد لأهل الصُفّة، كما قام مجموعة من الصحابة يُقال لهم القرّاء بالعمل من أجل أهل الصُفّة حيث كانوا يقرأون القرآن في الليل وفي النهار يجلبون الماء لأهل الصُفّة، ويجمعون الحطب لبيعه وشراء الطعام لأهل الصُفّة بثمنه، وقد كان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يقوم بحراسة الصدقات التي يجلبها الصحابة لأهل الصُفّة وهي أقناء التمر، وبذلك يكون تعامل الصحابة مع أهل الصُفّة نموذجًا للتكافل الاجتماعي.[٧] أمّا عن وقت خروج الصحابة من الصُفّة فهذا ما لم يُذكر بدقّة في المصادر التاريخية إلّا أنّه هناك بعض المؤشرات التي تدلّ أنّ انتهاء عهد المسلمين بالصُفة كان مع بداية خلافة أبي بكر -رضي الله عنه- لأنّ الهجرة من مكة إلى المدينة قد انقطعت بعد الفتح، ولأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد انتقل إلى الرفيق الأعلى إذ كان أحد أهداف إقامة المسلمين في الصُفّة ملازمة رسول الله والتعلّم منه وخدمته، كما أنّ الفتوحات قد كثُرت واغتنى المسلمون ولم يعد هناك حاجة للأكل من أموال الصدقات بالنسبة لأهل الصُفّة.[١]

Avis

Il n’y a pas encore d’avis.

Soyez le premier à laisser votre avis sur “أهل الصفة, إبن ثيمية”

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *