الحرب الباردة الثقافية

toit 4

12,00 

Description

مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري .. إحياء الحركة الثقافية العربية

الشارقة: علاء الدين محمود
يغوص كتاب «من الذي دفع للزمار؟ الحرب الباردة الثقافية» للكاتبة الإنجليزية فرانسيس ستونر سوندرز عميقاً في كيفية عمل وأساليب وكالة المخابرات الأمريكية «سي آي إيه»، في توظيف الثقافة للدفاع عن المصالح الإمبريالية، عبر اختراق المنظمات الإنسانية والمؤسسات الثقافية، وكذلك في حربها على الثقافات الأخرى، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء على دول المحور، وخروج ألمانيا وإيطاليا ورومانيا وبلغاريا والمجر واليابان من المنافسة، لم يعد أمام الولايات المتحدة الأمريكية من منافس لالتهام أوروبا الجريحة، سوى الاتحاد السوفييتي، فبدأت مسيرة الحرب الباردة، خاصة في المجال الثقافي وفي مجال الفنون والآداب، لانتزاع أكبر جزء من العالم لأمركته، أو لإخضاعه لها، ومن هنا بدأت حرب من نوع مختلف، هي حرب من أجل الاستيلاء على العقول وأمركة العالم.

الكتاب يعتبر من أخطر المؤلفات التي صدرت عن المخابرات المركزية الأمريكية، ودورها في مجال الآداب والفنون على مستوى العالم بأسره، وفي أوروبا على وجه الخصوص، حيث قامت أمريكا بتسييس الثقافة، واستغلالها من أجل تعزيز هيمنتها على العالم، وتأتي أهميته من إعادة طبعاته المتوالية الأمر الذي يؤكد راهنيته.
وتكشف الكاتبة عن حجم تورط مثقفين ومفكرين كبار من المعادين للشيوعية، أو من ماركسيين سابقين مثل الفيلسوف برتراند راسل، جورج أورويل، أرنولد توينبي،هربرت سبنسر، سيدني هوك، وروبرت لويل، حنا ارنت، آرثر ميللر، إيليا تولستوي (حفيدة الروائي الروسي الشهير)، أندريه مالرو، جون ديوي، كارل ياسبرز، إلبرتو موارفيا، هربرت ريد، ستيفن سبندر، أودن، نارايان (الهندي)، ألن تيت، إيتالو كالفينو، فاسكو براتوليني، فضلاً عن الفنانين تشارلي شابلن، مارلون براندو. وآخرون، بل إن المخابرات عملت على تغيير بعض أحداث ونهايات روايات جورج أورويل مثل ما حدث مع روايات «مزرعة الحيوانات»، ورواية «1984» لتخدم أهدافها، فهذه الروايات التي تحولت إلى أعمال درامية والتي دهش بها المثقفون والمتلقي العادي خاصة فيما يعرف ب «العالم الثالث» هي من نتاج عمل المخابرات، فالمخابرات قامت بتمويل الفيلم الكرتوني مزرعة الحيوانات، المأخوذ عن رواية أورويل ووزعته في أنحاء العالم، كما قامت بوضع نهايتين مختلفتين للفيلم المأخوذ عن رواية 1984 واحدة للجمهور الأمريكي، وأخرى للجمهور البريطاني.

المفارقة أن المبدعين والكتاب الذين شاركوا في هذه العملية وذلك الاستخدام والتوظيف، كان بعضهم لا يدري أنه مستخدم، بينما كان البعض الآخر على علم واستعداد للتعاون، وشنت المخابرات الأمريكية حربا شرسة على «غير المتعاونين» من المفكرين والمثقفين الأوروبيين، وكذلك على منتوجهم الفكري فقد أحرقت وأعدمت مؤلفات في شتى ضروب المعرفة ذات محتوى مغاير للإرادة الرأسمالية وتم التخلص من كتب العديد من المؤلفين من أمثال: داشيل هاميت، ومكسيم جوركي، وهيرمان ميلفيل، وغيرهم. لقد كانت عملية التطهير الثقافي التي تقوم بها «حملة مكارثي» والتي بدت وكأنها لن تتوقف، تقضي على مزاعم أمريكا بأنها حاملة لواء حرية التعبير. وكان معظم الكتَّاب الأحياء الذين كانت أعمالهم محظورة بتوجيهات من وزارة الخارجية الأمريكية، لهم ملفات ضخمة وغريبة، وتمت إزالة جميع مؤلفات سارتر من مجموعات أفرع البيت الأمريكي، بل ومس التحقير سارتر نفسه عندما تم نبذه والتعريض به على صفحات مجلتي «انكاونتر» و«بريف»، وتم دمغه بوصفه خادم الشيوعية الذليل والانتهازي البائس الذي كرست كتاباته الإبداعية والسياسية الوهم الشيوعي. وكذلك جرى ذات الأمر مع ارنست هيمنغواي الذي كان يخضع لمتابعة إدارة التحقيقات الأمريكية لدرجة أنه أصيب بالاكتئاب فكان أن لجأ للانتحار، وكذلك وقفت «منظمة الحرية الثقافية» ضد ترشيح بابلو نيرودا لجائزة نوبل للآداب في عام 1964، مع أنه من المفترض أن تكون مداولات لجنة نوبل في غاية السرية، ومع ذلك انطلقت حملة تجريح وشائعات ضد نيرودا في ديسمبر 1963، وكان عليه أن ينتظر حتى عام 1971 لكي يحظى بتكريم الأكاديمية السويدية، حين كان سفيرا في فرنسا لحكومة سلفادور الليندي الموالية للديمقراطية، ومع هذا قتلته المخابرات الأمريكية بعد فوزه بعامين، كما تأسست أكثر من جمعية للحرية الثقافية في أوروبا، ففي بريطانيا تكونت «الجمعية البريطانية للحرية الثقافية» عام 1951، وفي أواخر العام نفسه الاتحاد الإيطالي للحرية الثقافية، وإضافة إلى مجلة «ديرمونات»، كانت هناك مجلة «بريف» الثقافية التي صدرت في فرنسا في شهر أكتوبر/‏‏‏‏‏تشرين الأول 1951 وكانت تهدف إلى ترسيخ إجماع أطلنطي غير محايد، وموالٍ لأمريكا.

مجلة «إنكاونتر» التي صدرت في إنجلترا من 1953 إلى 1990 وكانت شديدة الارتباط بعالم المخابرات، وكانت تخفي دعاية أمريكية تحت قشرة خارجية من الثقافة البريطانية، لدرجة أن مجلة «صنداي تايمز» أشارت إلى «إنكاونتر» باعتبارها المجلة البوليسية للدول التي تحتلها أمريكا، ووصفها البعض بأنها مجلة دعاية سياسية ذات ديكور ثقافي، فضلا عن مجلة «تيمبو برزنت» التي صدرت في إيطاليا في شهر إبريل/‏‏‏‏‏نيسان 1956، ومجلة «كويست» التي صدرت في الهند في أغسطس/‏‏‏‏‏آب 1955، ومجلة «كوادرانت» التي صدرت في أستراليا وما زالت موجودة حتى الآن. وبحلول منتصف الستينات كانت المخابرات قد وسعت من برنامج مطبوعاتها ليشمل مناطق أخرى ذات أهمية استراتيجية في إفريقيا والعالم العربي والصين. وعلى سبيل المثال كان من المجلات الصادرة في الوطن العربي التي تتلقى إعانات من مؤسسات تابعة للمخابرات الأمريكية تحت مظلة «مجلس المجلات الأدبية»، مجلة «شعر» التي كانت منظمة الحرية الثقافية تشتري منها 1500 نسخة، ومجلة «حوار»، وهي مجلة ظهرت في أكتوبر/‏‏‏‏‏تشرين الأول 1962، كل هذه الجهود التي دعمتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أسكتت أصوات أعضاء الكونغرس الأمريكي، فلم يكن أحد في الكونغرس يستطيع أن يقف ليقول:»انظر ماذا يفعلون بأموال دافعي الضرائب». إضافة إلى أن 99% من الدعم المالي كان عن طريق إعانات ومنح بدون أي مستندات، وتم استغلال المهرجانات والحفلات الموسيقية في أوروبا، وجُندت المحطات الإذاعية، واستُخدمت المؤسسات الخيرية، وبعض دور النشر، واستُثمر متحف الفن الحديث في نيويورك، ودُعمت فكرة أن الفن التجريدي مرادف للديمقراطية، وبفضل التعاون مع منظمة الحرية الثقافية أصبح متحف الفن الحديث يستطيع الوصول إلى أرقى المؤسسات الفنية في أوروبا، بل يكون له التأثير الواسع في الذائقة الفنية هناك، فصُعقت الحركة الفنية بكاملها، حيث أصبحت مشروعا تجاريا ضخما.
ويضيء الكتاب حول كيفية ظهور «منظمة الحرية الثقافية الأمريكية» وهي المنظمة التي أريد لها تعزيز الهيمنة الثقافية الأمريكية في حربها على»الآخر «الذي مثلته الشيوعية في ذلك الوقت، فكانت المنظمة معبرا لتدخل المخابرات الأمريكية في الشأن الثقافي، وفتحت الباب أمام عمليات التجسس الأمريكي في مجال الثقافة والآداب والفنون، من خلال جهود «جوسلسون» العقل المدبر لحملة الدعاية الثقافية الأمريكية المضادة للسوفييت، ومعه فريق من العمل يتكون من ميلفن لاسكي، وفلاديمير نابوكوف، وجان كوكتو، وغيرهم، الذين أسسوا مجلة»ديرمونات» الشهرية التي كرست لبناء جسر أيديولوجي بين المثقفين الألمان والأمريكيين، واجتذابهم بعيداً عن التأثير الشيوعي، كما عملت على كسب النخبة الثقافية الغربية لحساب الطرح الأمريكي، واستخدام الشيوعيين السابقين لمكافحة الشيوعيةومن الواضح أن موقف الولايات المتحدة الانتقائي من الثقافة والمعرفة، يكشف الأكذوبة الكبرى التي تروج لفكرة أن أمريكا مجتمع ديمقراطي متقدم يشكل فضاء للصراع العقلاني الفكري والسياسي، ويكشف هذا الموقف كذلك كيف أن أمريكا تتعامل مع الثقافة سياسيا، وتقرر بالتالي في مصير الثقافة في مشهد يستدعي الموقف من العلم والعلماء والفلاسفة في القرون الوسطى، لقد هيمنت الولايات المتحدة على العالم عبر ثقافة مصنوعة تنفي الآخر بشدة، ثقافة تستهدف العقول وتغيير نمط التفكير بلا عنف كما كان سائدا في السابق، وربما يتم اللجوء إلى العنف إذا دعت الضرورة، فالولايات المتحدة وكل المعسكر الرأسمالي تجوب آلياتهم العسكرية تحت غطاء نشر الحرية، وهذا ما بدا واضحاً في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، عندما قسمت أمريكا العالم إلى محورين، محور للشر وآخر للخير، وهي العملية التي ساعدت على الهيمنة الثقافية وأظهرت أن حرب «الاستيلاء على العقول» مازالت مستمرة
الكتاب على نحو ما رأينا، مازال يحتفظ بأهميته وراهنيته، كون أن المعركة من أجل تغيير الأنماط والسلوكيات و«تجهيز» العقول لاستقبال الثقافة المنتصرة السائدة مازالت مستمرة، ورأينا كيف أن دعاوى نهاية التاريخ، والأيديولوجيا وغيره من أدب النهايات، والوثائق التي يكشف عنها كل يوم ومن آخرها بنما، ما هي إلا بعض من دعاوى الهيمنة الأمريكية في سياق الحرب الثقافية.

24.5/17.2/2.2 cm القياس
0.772 kg الوزن

عربي   457 عدد الصفحات

Avis

Il n’y a pas encore d’avis.

Soyez le premier à laisser votre avis sur “الحرب الباردة الثقافية”

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *