Description
لا يخفى على كل ذي بال ما لعلم الحديث من جلالة ومنزلة فهو من أجل العلوم قدرا وأعلاها رتبة واعظمها مثوبة بعد القرآن الكريم.
فقد تضافرت الروايات الشريفة في فضله وعظمته فعن رسول الله (ص) ((نظـّر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره،فرب حامل فقه الى من هو أفقه منه،ورب حامل فقه ليس بفقيه))([1]).
وقوله (ص):((من ادى الى أمتي حديثا يقام به سنة او يثلم به بدعة فله الجنة))([2])،وقوله (ص) :((تذاكروا وتلاقوا وتحدثوا فإن الحديث جلاء القلوب))([3]).
وعليه فإن الاشتغال بالحديث وعلومه وتحصيله والتصنيف فيه خير ما يشغل به الوقت،ومن أفضل ما يسعى اليه في العمر، واشرف ما يتحصل عليه،إذ هو ارث المعصومين ومطلب الاتقياء.
وتوجهت جهود علمائنا الإعلام إلى خدمة القرآن الكريم والسنة المطهرة خدمة لا مثيل لها.
وما إن بدأ عصر الغيبة الكبرى حتى كان الشيخ الكليني(ت329هـ)قد أنجز في الغيبة الصغرى كتابه العظيم(الكافي) فروعا واصولا ،ولعله قد حظي باشراف مباشر عليه من النواب الثلاثة الذين عاصرهم،وإذا كان الأمر كذلك فقد حظي بمباركة صاحب الأمر(عجل الله فرجه الشريف)،وبدأ من بعده في عصر الغيبة الكبرى كل من الشيخ الصدوق(ت381هـ)،والشيخ الطوسي(ت460هـ)، ليدونوا أولى المجاميع الحديثية الكبرى لدى الطائفة الأمامية بشكل منهجي ومنظم.
ولقد اهتم بالسنة جماعة من العلماء،وانصرف إليها نفر من الدارسين قديما وحديثا،أوسعوها بحثا وحلوا مشكلاتها تحقيقا وأحاطوا بكتبها علما، وعدوا رجالها احصاءً،واستوعبوا ابحاثها تنقيبا وحاولوا ان يجمعوا ما انتثر من حلقاتها،وكان سعيهم مشكورا.
ولما انقضى عهد الأئمة الجهابذة من المتقدمين من أئمة الحديث جاء المتأخرون في نهاية القرن السابع الهجري، فحاولوا استقراء ما صنفه المتقدمون، ووضعوا قواعد لعلم الحديث ونظـّروا لمصطلحه وتجلى ذلك في كتابات السيد ابن طاووس وظهر في مصنفات تلميذيه :العلامة الحلي(ت726هـ)،وابن داود الحلي(ت707هـ)، ثم ظهر اول مصنف في علم الدارية على يد الشهيد الثاني(ت966هـ)، وجاء من بعده والد الشيخ البهائي(ت985هـ)،والفاضلان الشيخ البهائي(ت1030هـ)،والسيد الداماد(ت1041هـ)،ولما كان منهج القدماء منهجا عمليا تطبيقيا اذ لم يصرحوا دائما بمنهجهم في اختيار الأحاديث وفي انتقاد الاسانيد،ولم يبنوا لنا الاسس التي بموجبها اختاروا الأحاديث او تلك الاسانيد،وقد تبلورت هذه الأسس والمصطلحات في المدارس الحديثية المتأخرة وتبع ذلك الاسلوب في علم الرجال، فما يقام على أساس الاستقراء الظني والاجتهادي لدى قدماء الرجاليين تبلور علم الرجال لدى المتأخرين بقواعده وأصوله وتوثيقاته وتضعيفاته.
سبب اختيار الموضوع :
نظرا لأهمية هذا العلم لأنه من العلوم المتصلة بالمصدر الثاني للشريعة الاسلامية بعد القرآن الكريم،آليت على نفسي ان أخدم سنة الأئمة المعصومين عليهم السلام بحسب وسعي وطاقتي فاخترت هذا الموضوع.
ومما شجعني على الخوض فيه ،أن ما تميزت به مدرسة النجف من نشاط فقهي واصولي لا يضاهيه أي نشاط في أية مدرسة من مدارس العالم الاسلامي،وقد لا يحيط بها الاحصاء،ولا يستوعبها الاستقراء لما قدمته من نتاج معرفي.
وفي الوقت نفسه نلحظ قصورا واضحا في النشاط الحديثي في مدرسة النجف،بل إن أغلب ما كتب عن علم الحديث كان منضويا تماما بقواعده وتطبيقاته تحت علمي الاصول والفقه،وهذا ما لحظه البحث في حقبة حدوده،من هنا جاء البحث ليستقري ما أضافته مدرسة النجف وما جددته وما ابتكرته في مجالي الدراية والرجال،كما ان الجدة التي اتصف بها البحث إذ لم تقف الباحثة على تصنيف منفرد في هذا المجال.
وتظهر أهمية الموضوع من خلال التعرف على جهود مدرسة النجف في الحديث وعلومه في القرنين الماضيين اللذين يعدان عصري الازدهار والتجديد في تاريخ المدرسة على مدى عشرة قرون.
اما منهج البحث فقد سلكت في كتابته المنهج الاستقرائي والوصفي في جمع المعلومات التاريخية معتمدة على المصادر الاصيلة في هذا الموضوع.
أما خطة البحث فكانت على مقدمة وثلاثة فصول، فأما المقدمة فقد بينت فيها اهمية هذا الموضوع ومنهجي في البحث،وتضمن الفصل الاول نبذة تاريخية للتعريف بمدينة النجف من حيث تسميتها ومعاهد التعليم فيها ومساجدها ومدارسها ثم التعرف على اطوار مدرسة النجف اذ كانت مقسومة على سبعة اطوار وتناولت في الفصل نفسه العملية التعليمية وفصلت في المعلم وآدابه والمتعلم وشروطه والمنهج وعناصره من الاهداف والمحتوى وطرائق التدريس والانشطة والوسائل التعليمة والتقويم.وناقشت المنهجية في مدرسة النجف.
وتكفل الفصل الثاني ببيان مجهود مدرسة النجف في علم الدراية متضمنا هذا الفصل التعريف بالدراية واركانها وابتكارات هذه المدرسة لمصطلح الحديث من المعتبر والمصحح والحسن كالقوي،ثم اتبعته بالتطبيق العملي في المصنفات الفقهية واستعمالات مدرسة النجف لها.ثم تناولت مصطلحات الشاذ والمضطرب وبيّنت انفرادات مدرسة النجف فيهما،ثم استعرضت مصطلح الشهرة وما له علاقة من التطبيقات الفقهية له وطبقت ذلك على استعمالات السيد اليزدي مثالا.ثم عرضت الاجازات الحديثية واثرها في التقريب بين المذاهب الاسلامية.وخلصت بعد ذلك الى بيان جهود علماء المدرسة في الدراية،وبيان مصنفاتهم.
وخصص الفصل الثالث لدراسة علم الرجال في مدرسة النجف والتعريف به وأهم القواعد الرجالية المستخدمة في المدرسة من التوثيق والتضعيف،ثم بينت أهمية الطبقات وما انفردت به المدرسة في تحديدها لطبقات الرواة،ثم خلصت الى استقراء أهم المصنفات الرجالية في القرنين المذكورين.
أما الخاتمة فقد اوجزت فيها أهم نتائج البحث وما امتازت به مدرسة النجف الحديثية.متبوعة بقائمة في اسماء المصادر والمراجع التي استخدمها البحث.
وختاما فإن هذا هو جهدي المتواضع الذي ارجو من الله تعالى له القبول فقد بذلت فيه ما وسعني من جهد،فإن وفقت فيه فلله تعالى الفضل والمنة،وإن كان غير ذلك فحسبكم أني بشر اصيب وأخطئ،والله سبحانه وتعالى يثيب على القصد ويعفو عن الخطأ فأسأله سبحانه وتعالى ان يجنبنا الزلل ويرشدنا الى الصواب ويوفقنا الى ما يحبه ويرضاه. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
Avis
Il n’y a pas encore d’avis.